شكــــــــرا للغــــــــربة

السلام عليكم ...

كثيرا ما نشتكى من الغربة وهمومها ومرها ولا شى عندنا غير التزمر
والرثاء لحالنا والحنين الى ما كان عليه الحال قبل الاغتراب ووصف ما
نمر به من حرمان وكبت للمشاعر و و ....... الخ

ولكن اليوم ليس يوم رثاء او لطم على الخدود .. انه يوم الجلوس مع
انفسنا ونتعمق فى افعال الغربه بنا دون النظر الى السبب الرئيسى لكل
متغرب وهو المال فلا علاقة للفلوس هنا , انه يوم الجلوس مع النفس
المستفيد الاول والمتضرر الرئيسى من كل عوامل الغربة التى كثرت
مسمياتها والقابها ووصف افعالها بنا .
كنت اجلس مع نفسى .. واكتشفت اشياء كانت غائبة عنى , اذكر اول
يوم لى فى بلاد الاغتراب كنت فرحان بوصولى سالما .. وكنت غير واثق
من الخطوة التى اقدمت عليها وجئت ولا ادرى ماذا سيستقر علية الحال
وكانت حقيقة مشاعرى .. انى ( مغترب ) وهذا الاسم الذى سعيت له
بالاضافة الى كسر الروتين وتجربة حياة جديدة خارج الوطن وعمــل
اعيش من وراءه .. لا أمال كبيرة ولا احلام وردية .
جئت احمل معى معتقداتى وقيمى ومبادئى الثابتة وكبريائى .. وكانت
المفاجأة والدهشة ..وذالت الغشاوى من عينى وأصتدمت بالواقع .
والان وبعد مضى عدة سنوات , مررت بشريط ذكريات الغربة وتوقفت
عند محطات كثيرة أغلبها لا أتمنى ان اذكره .. واحسست بلأمتنان
للغربة فلقد علمتنى اشياء ماكنت لأتعلمها لو كنت فى احضان الوطن
- - - - -
كنت احسب ان للصبر حدود .. وعرفت اننا بأمكاننا ان نذهب بالصبر
الى ابعد مدى , وتعلمنا فن كظم الغيظ والغضب , وانواع الغضب ومتى
نغضب وماهى عواقب الغضب , وأبحرنا عميقا فى أفعالنا وردودها .
وتعلمنا متى نسكت ونكف عن الكلام ومتى نتكلم , ووصلنا مرحله من
اليأس والاحباط وأنكسار الخاطر لا توصف ولا احسب ان يمر بى مثل
هكذا احوال .. ومرت بحلوها ومرها, وتعلمنا كيف نستطيع العيش مع
كل الظروف دون انيس يآنسنا او احدا نشكى له ضيق حالنا وما يؤلمنا
وتعلمنا أ، نتحمل فراق من نحب ونحن فى امس الحوجة لهم واكتشفنا
فصائل العبرات . وتعلمنا اذا تعثرنا وسقطنا ارضا , ان لاننتظر احدا
يمد لنا يده لمساعدتنا على النهوض , بل كل همنا ان هو الوقوف
مجددا ونفض الغبار دون ان نشعر الآخرين بسقوطنا , ولا نلتفت الى
الوراء ..ونركز اهتمامتنا على الانتباة لمواطئ اقدامنا كى لا نسقط
مره آخرى فى الخطوات القادمة.
تعلمنا العيش مع أحزاننا دون ان تكون عقبة فى طريقنا , وعرفنا قيمة
اشياء كنا نحسبها بلا قيمة ولا نقدرها.. تعلمنا الابتسامة فى وجوه لا
نطيقها , وتعلمنا ان لا وجود للأعزار ولا وجود لكلمة لا استطيع ..
وأختبرنا مشاعر كنا نجهل وجودها وتزوقنا انواع المراره بنكهاتها
المختلفة , وتعلمنا ان ننام وسط ضجيج افكارنا بالرغم من ان ما نحمله
يؤرق المقل , وننهض فى الصباح كأن شيئا لم يكن . عرفنا أن معادن
الرجال كثر وكيف نختار الاصدقاء ومعايير الصداقة . وتعلمنا ان للبشر
طاقات هائلة أغلبها مهدره سدا دون اكتشافها .. تعلمنا أن نتحكم
بمشاعرنا ولم نترك لها مساحة للتحكم بنا رغم جياشتها .
وعرفنا ان الحياة الهادئة الساكنة قد تكون مملة, فما فائدة الحياة أذا
كانت كلها تحت أمرتك سنمل من هكذا حياة , وعرفنا ان الحياة القاسية
تتيح لنا الفرصة للتعرف على معدننا دون طلاء لماع , وتتيح لنا ان
نجرب كل الطرق المتاحة ونختار بلا حيرة طريقنا فى مفترق الطرق
وتأخذنا احيانا فى مغامرات وتحديات متنوعة , نختبر فيها أنواع
الموانع الشائكة ونعرف مدى مقدرتنا على على مجاراتها ومراوغتها
وهل نستطيع ان نجتاز تلك الموانع بأقل خسائر ممكنة .
كل تلك المواجهات حتما أذا لم تفقدنا الامل فى قدراتنا, فسوف تعزز
الثقة بأنفسنا اكثر من ذا قبل .
وأذا شائت الاقدار وعدنا الى ديارنا ,.. سو ف نعود وما زلنا نحمل ذات
المعتقدات والقيم والكبرياء وأضافات لم تكن فى السابق
فلا تشفقوا علينا .. ولا تخدعكم تلك المظاهر البراقة التى يحسبها
الكثيرين انها تعود الى اناس قد انعم الله عليهم براحة البدن والبال ..
ولا تخدعكم رائحة العطورالفواحة .. ولا الملابس الانيقة الزاهية .. ولا
تلك المسحة النضرة على بشرتنا .
فحتما سوف يتلاشى العطر , وتبهد الوان ملابسنا , وتسمر بشرتنا ..
ولن يبقى لنا سوى معدننا الذى أصقل بكل حرفية بكل انواع مطارق
الحياة حتى اصبح غير قابل للكسر وغير قابل الى الانحناء مهما اشتدت
عواصف الزمن .. ولن نتأثر بكبار المصائب ولا صغائر الامور الحياتية
وسوف نقابلها بكل هدوء وتعابير بارده كالثلج , ليس لاننا بلا مشاعر
نتفاعل بها , ولكن لاننا محترفين فى فن اجادة التحكم بالمشاعر ..
ولا تقوى على الخروج دون ان نأذن لها , تعلمنا ذلك وأجدناة فى دورات
دون منحنا شهادة بذلك . ولاكننا مطابقون للمواصفات والمقاييس فى
العيش تحت جميع انواع مناخات الحياة وتم تحصيننا وتطيعيمنا من كل
انواع فايروسات الحياة , وعرفنا ان شقاء الابدان يهون , ولاكن شقاء
الروح هو اصعب اختبار , وأجتزناه بدرجة ترضينا نوعا ما .
فلو لا الغربة لما أكتسبنا تلك الصفات التى قد تعيننا وتغير مسارات
حياتنا .
فأنا ممتن كل الامتنان الى الغربة لاضافة تلك المزايا الى شخصى الضعيف
ولو لاها , لا ادرى آى شخصية اكون
( شكرا للغربة )